تعبر هذه الأرضية كونها أرضية عن الاتفاقات النظرية والسياسية الاستراتيجية والتكتيكية التي تتجمع حولها اليوم المجموعة الماركسية الثورية. تأتي تجاوزا للأرضية السابقة بعد بضع سنوات الممارسة الجماعية وملاحظة الواقع والتفكير والنقاش.
تشكلت هذه المجموعة حول القناعة المؤسسة التالية: ثورة شعبية لن تكون إلا من صنع الطبقات الشعبية. على بساطتها تكثف هذه الجملة جل مل يجمعنا. فتعني أولا العمل الميداني صلب الطبقات الشعبية وخطابا وبرنامجا سياسيا بوصلتهما مصالحها ومشاغلها وأولوياتها بعيدا عن الفوقية والنخبوية والحداثوية واهتمامات "اليسار" أو "التقدميين".
تعني ثانيا أن تحديد معالم الذات الثورية أو التحالف الطبقي الثوري نقاش مفتوح ومرتبط بالممارسة العملية. لا تنطلق المجموعة من مسلمات ثورية "الطبقة العاملة" أو تحالف "العمال والفلاحين". بل تسعى للعمل بنفس المستوى على الأقل مع هامشيي المناطق الداخلية الفقيرة والأحياء الشعبية المحيطة بكبرى المدن باعتبار أهمية هذه القوى الاجتماعية في ثورة 2010-2011.
ويعكس هذا التمشي موقفا نظريا عاما يرفض الدغمائية. ليست المجموعة الماركسية الثورية "ماركسية-لينينية" أو ماوية أو تروتسكية أو مجالسية. لا تعتبر الماركسية إيديولوجية بل تدرس ماركس وانجلز وتلاميذهم من كبار الماركسيين الثوريين للاستئناس بمنهجم المادي التاريخي ثم حسن تطبيقه على الواقع القائم في عصرنا وبلادنا.
ترتبط هذه القناعات مباشرة بتمثل وتقييم مشترك لانهزام الانتفاضة الثورية التي شهدتها تونس والمنطقة العربية: غياب التنظيم والبرنامج والقيادة الثورية المرتبطة عضويا بالطبقات المنتفضة. بدل حل هذه المشكلة تجنبها العديدون وذهبوا للحديث عن وحدة "اليسار" وترعرعت النزعات الإصلاحية والانتهازية والتصفوية عادة تحت شعارات مثل "تجديد الخطاب". في القطب المقابل وكردة فعل لا تقل مرضية كانت الدغمائية والسرية المفرطة إلى حد الانعزال عن المجتمع والسياسة. في الحالتين كانت النتائج ضعيفة.
يشمل التمثل المشترك لثورة 2010-2011 نقطة أخرى وهي أنها أيضا ثورة عربية وليس من الاعتباطي أو العرضي انتشارها المباشر في البلدان العربية أكثر من غيرها.
تنطلق هذه الأرضية منهجيا من معاينة القوى الاجتماعية الثائرة في 2010-2011 والصراع الطبقي القائم في البلاد منذ ذلك الحين. تبحث إثر ذلك عن الأسس الاقتصادية-الاجتماعية المتسببة في هذا الصراع. تستنتج من ذلك أهداف ومهام الطبقات الثورية. لتحقيق هذه الأهداف ستواجه أعداء من مصلحتهم إدامة البنى القائمة، يجب تحديد معالمهم.
الذات الثورية
يتبرر وجود حركة ماركسية بقيام صراع اجتماعي أو وجود شروط لقيامه. أطروحات هذا العنوان مستوحاة من ملاحظة واقع الصراع الطبقي طيلة عشر سنوات تقريبا ولا سيما من اللحظة النوعية التي شكلتها الانتفاضة الثورية في 2010-2011. تتبين الطبقات الثورية كالآتي:
بروليتاريا الهامش في المناطق الداخلية وفي الأحياء الشعبية المحيطة بالعاصمة وكبرى المدن: كان هؤلاء في طليعة الانتفاضة الثورية والصراع الطبقي طيلة السنوات التي تلتها. لهذا الهامش الاجتماعي، إلى جانب بعده الاقتصادي، بعد جغرافي. لم تنطلق الانتفاضة وأهم الحركات الاجتماعية التي تلتها من أماكن العمل. كما أن مطالبها كانت متعلقة بالحق في الشغل أو السكن أو الماء أو الأرض أو الثروات الطبيعية أو بالقمع البوليسي لا بقسمة فائض القيمة بين العمل ورأس المال. يجب التأكيد بقوة أيضا أن الأحياء الشعبية ليست مرادفا للبروليتارية الرثة وإن تركزت الأخيرة فيها فهي تبقى أقلية. غالبية الهامشيين عاطلون أو شبه-العاطلين عن العمل ومشتغلون في أشغال هشة (في القطاع غير المنظم مثلا) يعانون الفقر وأشد ظروف الاضطهاد. يشير تعريفهم كهامشيين إلى غياب شروط خوضهم صراعات متعلقة بأشغالهم الهشة والمتشتتة. تشكلت بدل ذلك لديهم "هوية اجتماعية" كما يقول البعض أي وعي طبقي موحد متعلق بهامشيتهم وبموقع سكنهم.
العمال: إن القول أن العمال ليسوا طليعة الثورة لا يعني القول أنهم أعداؤها. يسكن العمال أيضا الأحياء الشعبية وبالتالي فهم موجودون جزئيا في النقطة الأولى. لكنهم لا يقضون فيها الجزء الأكبر من وقتهم. إن العشرية التي تلت الثورة لم تخل من النضالات العمالية لكنها اتسمت بالقطاعية واختلال موازين القوى وضيق الأفق. يجب العمل في علاقة بمكان العمل متى أمكن ذلك، أولويا ضمن العمال الذين يعانون اضطهادا شديدا وظروف عمل صعبة وتحمل نضالاتهم أفقا لتحسين ظروفهم وتسييس وعيهم. قد نخص بالذكر على سبيل المثال العمال الذين يتعلق إنتاجهم أو شغلهم بالسوق الوطنية.
العمال الزراعيون والفلاحون بلا أرض والفلاحون الفقراء المهددون بالإفلاس.
يسعى الماركسيون الثوريون منذ البداية إلى ربط علاقات مباشرة بهذه الطبقات بالمشاركة في صراعاتها ومساندتها والعمل معها بشكل شبه يومي ونشر الدعاية السياسية الثورية في صفوفها. كما يرتكز برنامجهم وشعاراتهم على مصالحها ومشاغلها.
لا تتوهم المجموعة أن تنظيم هذه الطبقات وبناء هذا التحالف سيكون تلقائيا. وسينطلق هذا العمل لا محالة من مناضلين ثوريين لا ينتمون إليها اجتماعيا بالضرورة لكنهم مكون من مكونات الذات الثورية بانتمائهم السياسي إليها وعملهم نحو الوحدة والالتحام معها.
البنية الاقتصادية الاجتماعية
تحتل البلاد التونسية موقعا طرفيا في البنية الإمبريالية للرأسمالية العالمية. يلعب الإنتاج التونسي دورا مكملا وثانويا كميا ونوعيا في علاقة بالمراكز الرأسمالية، بينما توفر الأخيرة جزء كبيرا وأساسيا من حاجيات البلاد التونسية.
يهيمن نمط الإنتاج الرأسمالي داخل التشكيلة الاقتصادية-الاجتماعية التونسية وقد صفّى بشكل تام أنماط الإنتاج السابقة له. تولد هذه الرأسمالية التابعة وتهيمن على شتات واسعا من الأنشطة البضاعية الصغيرة.
تتنزل هذه العموميات في الحقبة النيولبرالية في ما يلي:
فقدان الإكتفاء الذاتي في أساسيات الغذاء وفلاحة موجهة أكثر فأكثر حسب متطلبات الأسواق العالمية.
يتبع أكثر من ثلث الصناعة تقريبا الإمبريالية (مناولة واستثمارات أجنبية مباشرة). لا يستجيب لحاجيات محلية بل لحاجيات شركات أجنبية خاصة فرنسية وإيطالية وألمانية. ينتج لها مكونات أو يقوم بتركيب مكونات.
ضعف فادح في صناعة وسائل الإنتاج ومنتجات الاستهلاك المستدامة: شبه انعدام إنتاج الآلات الصناعية ووسائل النقل والمعدات الفلاحية والتجهيزات المنزلية والطبية.
انفجار قطاع الخدمات والأنشطة الطفيلية والبيروقراطية والاستعراضية غير المنتجة: مالية وتجارة ومضاربة عقارية وتسويق إلى جانب مختلف الوكالات والوسطاء. إدارة خاصة (إدارة أعمال و"موارد بشرية" إلخ.) وعمومية ذات طابع بيروقراطي. تمارس سلطة اجتماعية واقتصادية وسياسية، غير خاضعة للتحكم الديمقراطي الشعبي.
تضخم جهاز البوليس القمعي غير المنتج من حيث العدد والاستهلاك الكلي. تدهور الخدمات العمومية الأساسية.
ضعف الاستثمار وتفاقم البطالة وانتشار النشاط الاقتصادي الهش وغير المنتج أو ضعيف الإنتاجية: باعة متجولون، نقل جماعي غير منظم، جمع البلاستيك...
تبعية في تلبية عديد الحاجيات الأساسية (أكل، دواء ومعدات طبية، نقل...) عبر التوريد.
توريد استهلاك استعراضي بمبادرة من طبقة الكمبرادور وتحت طلب البرجوازية والبرجوازية-الصغيرة
ضعف الإنتاج من حيث التنوع والتكامل والكميات والتطور بسبب المنافسة الأجنبية
تذهب سياسة البرجوازية التابعة ضمن إطار الإمبريالية نحو مزيد تعميق هذه البنية الاقتصادية وبالتالي البنية الاجتماعية القائمة عليها وهذه أهم مكوناتها:
عمال زراعيون (نساء بالخصوص) فقراء يشتغلون بأبخس الأثمان ودون حقوق خارج الأطر القانونية
فلاحون فقراء يقتربون من الإفلاس سنة بعد أخرى
طبقة وسطى تضم الموظفين والأرستقراطية العمالية في القطاع العام إلى جانب موظفي القطاع الخاص وأجرائه المتكونين
عمال صناعيون يشتغلون عند رأس المال الأجنبي. يُضْعِف طيف البطالة وحركية رأس المال قدرتهم على النضال وأفقه.
عمال صناعيون ضعيفو الدخل يشتغلون في مصانع صغيرة ومتوسطة مرتبطة بالسوق المحلي. رغم الضغط والخوف الذي تفرضه البطالة يمكن أن يكون العمل ضمن هذه الفئة ونضالها مثمرا
عمال خدمات في المطاعم والمقاهي والسياحة والتجارة والبناء. يصعب العمل مع هؤلاء في علاقة بمكان العمل نظرا لطبيعته وهشاشته وقلة استقراره. يجب التوجه إليهم في الأحياء الشعبية التي يسكنونها.
العاطلون عن العمل والباعة المتجولون إلى غير ذلك من المهمشين في الأحياء الشعبي
إلى جانب هذه الجماهير التي تمثل أغلبية السكان الناشطين اقتصاديا توجد الطبقات البرجوازية والبرجوازية-الصغيرة (أنظر أسفله: أعداء الثورة، حلفاء الثورة).
يمكن وصف حركة الاقتصاد النيوليبرالي وسياسة البرجوازية التابعة كحركة وسياسة تهميش أي إنتاج الهامش الاجتماعي: مزيد من العمال الفقراء ومن الهشاشة وعدم الاستقرار في العمل ومن البطالة. إن أحد جوانب هذا التهميش الاجتماعي هو التهميش الجغرافي. يتنزل الاستقطاب الاجتماعي أيضا في بنية مركز-أطراف داخل البلاد التونسية. تتركز ملكية الثروة في كبرى المدن الساحلية ويتعمق الفقر في المناطق الداخلية. يؤدي ذلك إلى حركة نزوح. لا يقدر رأس المال التابع على استغلالها لضعف تراكمه، فتشكل أحزمة أحياء شعبية فقيرة تحيط بالأحياء الثرية والمتوسطة.
يأخذ هذا الاستقطاب الجغرافي أكثر أهمية اجتماعية بقدر ما ينخفض التوظيف الرأسمالي للعمل.
مشروع الثورة
نظرا لطبيعة الذات الثورية والبنية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد لا يمكن الحديث على ثورة اشتراكية على الأقل بمعناها التقليدي كما طرح ضمن الحركة العمالية الأوروبية. لا تطرح الطبقات الشعبية التي تقوم بالثورة على نفسها مجرد تملك فائض الإنتاج الذي يستحوذ عليه رأس المال واستعماله وتوزيعه بشكل مختلف أو إعادة تنظيم الإنتاج وإدارته-الذاتية حسب حاجيات المجتمع إلى غير ذلك.
يتوق الهامشيون وحلفاؤهم في تونس إلى المشاركة في النشاط الاقتصادي بشكل مستقر وإلى حياة اجتماعية تحفظ كرامتهم. يمكن تكثيف ذلك في المعجم الماركسي بالقول أن غايتهم هي تطوير قوى الإنتاج. ذلك ما يستدعي تغيير علاقات الإنتاج لأن البنية الاقتصادية الاجتماعية القائمة تمنع التطور الاقتصادي. يمر ذلك بثورة تقيم السلطة السياسية للطبقات الشعبية وتلغي الهيمنة الاجتماعية للطبقات المستفيدة من الرأسمالية التابعة.
إن البنية الاجتماعية القائمة متنوعة والطبقات الشعبية غير متجانسة وبالتالي فإن مطالبها المباشرة على نفس المدى من التنوع. لا يمكن إذن تخيل المستقبل القصير والمتوسط للثورة الشعبية كمجتمع عمال موحد يخطط ديمقراطيا لتلبية حاجياته. هذا يعني عمليا على سبيل المثال استمرار الملكية الخاصة (الفردية والجهوية والتعاونية إلى غير ذلك) لوسائل الإنتاج وعلاقات التبادل أي وجود السوق. هذا أن طبيعة البنية والصراع الاجتماعيين القائمين لا يجعلان الطبقات الشعبية تطرح على نفسها مهاما مثل إلغاء السوق أو الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج.
من وجهة نظر الظروف الموضوعية فإن البنية الاقتصادية للبلاد غير قادرة على الاستجابة لحاجيات هذه الطبقات. فهي موجهة للاستجابة لحاجيات الإمبريالية وحلفائها المحليين. لا يكفي إذن الاستحواذ على وسائل الإنتاج وإعادة تنظيم استعمالها. إنما يجب تغيير البنية الاقتصادية بتنويعها وتعزيز ربطها وتطويرها للاستجابة لحاجيات الطبقات الشعبية.
تأخذ سياسة السلطة الشعبية الاتجاهات التالية:
الخروج التدريجي من النظام الإمبريالي بتوسيع منسوب الإنتاج مقارنة بالتوريد وتوجيهه للحاجيات الأساسية للطبقات الشعبية والإنتاج الوطني
تحقيق السيادة على موارد البلاد وقطاعاتها الاستراتيجية
خلق تكتل اقتصادي مناهض للإمبريالية وتعزيز التبادلات التجارية والتكامل الاقتصادي فيما بينه
تضييق دائرة القطاعات الطفيلية وغير المنتجة
توسيع مجال الإنتاج العمومي المخطط وتكميله بالإنتاج التعاوني
زيادة الأجر الأدنى وتدعيم حقوق العمال ومراقبي الشغل والتعويض عن البطالة
إرساء الديمقراطية العمالية في القطاع العام والتعاوني
دعم الخدمات العمومية وتوسيعها خاصة في مجال إعادة-الإنتاج
على أساس البنية الاقتصادية-الاجتماعية الجديدة وتجاوزا للانقسامات التي ستتواصل داخلها والحدود التي تفرضها على التطور، تظهر صراعات جديدة ويتقدم البناء الاشتراكي.
بعيدا عن أوهام "الطبقة العاملة العالمية" والأحلام الأممية المجردة المفتقدة لأي واقع موضوعي أو ذاتي. ترسي الطبقات الشعبية سلطتها في مرحلة أولى على مستوى البلاد التونسية.
بنفس البعد عن القومية التونسية الضيقة (الواعية أو غير الواعية)، فهي تسعى منذ إقامة سلطتها إلى توسيع مجال البناء الاشتراكي واعية بأن ذلك من شروط تقدمه وديمومته.
الوحدة العربية والأممية
تشير انتفاضة 2010-2011 بالإضافة للتركيبة الاجتماعية للذات الثورية، إلى امتدادها العربي. كانت الانتفاضة التونسية الشرارة التي أشعلت فتيل سلسلة من الاحتجاجات والانتفاضات تقريبا على مستوى كامل المنطقة العربية. كون نفس الأثر لم يتمظهر في أوروبا أو إفريقيا السوداء أو أمريكيا اللاتينية يؤكد أن هذا الامتداد لا يمكن أن يكون مجرد صدفة. إنه قائم على أساس موضوعي معلوم يتمثل في وحدة تاريخية وثقافية.
يأسس هذا إذن في نفس الوقت لاستراتيجية وحدة سياسية ثورية عربية. يدافع الماركسيون الثوريون عن اللغة العربية كعامل قطيعة مع الإمبريالية وحلفائها المحليين وفي نفس الوقت كعامل ثقافي للوحدة السياسية على مستوى عربي.
يمثل تشكيل وحدات سياسية كبيرة مهمة ثورية بالغة الأهمية نحو توحيد الإنسانية كما يمثل عامل تسريع وتسهيل في مهام مناهضة الإمبريالية وتطوير قوى الإنتاج. تأتي الوحدة العربية الممكنة كخطوة أولى على هذا الدرب. يتطلب تحقيقها استكمال تحرر الشعوب العربية من كل أشكال الاستعمار وفك قيود الهيمنة الإمبريالية.
لنفس الدوافع السياسية ووعيا بالبعد الكوني لمشروعها تتحالف الثورة الشعبية التونسية مع الجمهوريات والحكومات الشعبية القائمة في أمريكا اللاتينية مثلا وحيث ما أقيمت مستقبلا في البلدان الطرفية.
يقتضي فك التبعية مع مراكز الإمبريالية التعامل مع المحور الذي تقوده الصين وروسيا. يجب في هذا الصدد الوعي بموازين القوى وعلاقات الهيمنة التي ستفرضها بالضرورة والعمل على تجنب الوقوع في تبعية جديدة نظرا للنزعات والممارسات الإمبريالية وشبه الإمبريالية التي تقوم بها هذه الدول.
من نفس المنطلق، في حال سقوط الرأسمالية في مراكزها أو صعود حكومات ثورية، لا تنتظر الثورة الشعبية المنن. ولو تتفاعل إيجابيا معها فهي تعتبر أن أي بناء اشتركيا أمميا لا يمكن أن يكون إلا بين قوى متكافئة وأن تحرر شعوب البلدان التابعة لا يمكن أن يكون إلا من صنعها هي نفسها.
أعداء الثورة
إن قيام صراع طبقي في المجتمع وتطوره لانتفاضات ليس اعتباطيا. ليست معاناة غالبية الشعب نتيجة أخطاء أو مشاكل تقنية ولو كانت كذلك لتم إصلاحها. إنما هي نتيجة نظام استغلال وسلطة وهيمنة طبقية وطنيا وعالميا: الإمبريالية الرأسمالية. يعني ذلك فيما يعنيه استفادة فاعلين من البنى القائمة ودفاعهم عنها.
هذا ما يولد الصراع الطبقي ويفرض في النهاية على من يريدون تغيير البنى الاجتماعية إسقاط عنيفا للسلطة القائمة وإرساء سلطة جديدة أي القيام بثورة.
يتطلب النجاح في هذه المهمة فهما جيدا للكتلة المهيمنة اجتماعيا وهذه أهم مكوناتها:
داخليا:
البرجوازية التابعة والكمبرادورية والطفيلية: أصحاب وكبار مديري الإنتاج الصناعي والفلاحي المرتبط أساسا بالأسواق الخارجية والخاضع لسلاسل إنتاج إمبريالية أو المشترك مع رأس المال الإمبريالي. أصحاب وكبار مديري قطاع التجارة الخارجية والسياحة واحتكارات التجارة الداخلية والمالية. وقد يشترك نفس الأشخاص والمجمعات في إنتاج تابع وأنشطة كمبرادورية وطفيلية ويندمجون مع القطاع المالي.
البرجوازية البيروقراطية أي الشرائح المتمعّشة من الدولة: كبار الضبّاط والمديرين والموظّفين في مؤسّسات وشركات ومصالح دولة البرجوازية التابعة.
شرائح من البرجوازية-الصغيرة غير منتجة وتابعة في طريقة عيشها أي استهلاكها وثقافتها للكمبرادور والإمبريالية
خارجيا:
الدول والمؤسسات الإمبريالية: الاتحاد الأوروبي وفي مقدمته رؤوس الأموال والدول الفرنسية والإيطالية والألمانية. المؤسسات المالية الدولية ممثلة في صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. دولة الو.م.أ كقائدة الكتلة الإمبريالية الغربية وسيدة النظام الإمبريالي عالميا. الكيان الصهيوني كاستمرار للاستعمار المباشر في المنطقة العربية وكحليف استراتيجي للقوى الإمبريالية في إبقاء المنطقة مجزأة وخاضعة لهيمنتها
الدول العربية الرجعية والتابعة للإمبريالية
حلفاء الثورة
يقيم الماركسيون الثوريون في مرحلة أولى علاقة صراع ومساندة مع الطبقات الوسطى وجزء من البرجوازية-الصغيرة. يهدف ذلك إلى بناء الاستقلالية السياسية والتنظيمية للطبقات الشعبية. بتقدم تنظمها ووعيها تلجأ الطبقات الشعبية أكثر إلى التحالف مع الطبقات الوسطى والبرجوازية-الصغيرة (أو تحييدها على الأقل) لمحاصرة البرجوازية الحاكمة.
تتحالف الطبقات الشعبية مع الوسطى في مقاومة التقشف (في الصحة والتعليم مثلا) أو مناهضة التطبيع. لكن الماركسيين الثوريين يحتفظون بحرية نقدها حيثما اتسمت ممارساتها بالقطاعوية والانتهازية والتنديد بها حيثما تعارضت ممارستها مع مصالح الطبقات الشعبية. يعني ذلك بالخصوص عدم التردد في نقد اتحاد الشغل كممثل رسمي لهذه الطبقات مرتبط عضويا بالدولة البرجوازية التابعة القائمة.
لا تتجاهل المجموعة الماركسية الثورية أهمية الطلبة وقدرتهم على نشر الثقافة والوعي الثوريين. لكنها لا تعتبرهم في حد ذاتهم قوة تغيير اجتماعي. إن يعمل الماركسيون الثوريون على إقناع الطلبة الثوريين بأطروحاتهم فذلك لدفعهم إلى الالتحام بالطبقات الشعبية.
لا يجهل الماركسيون الثوريون أن تحقيق أهدافهم عمل جبار يستدعي انخراط أكثر ما يمكن من الطاقات الثورية ويسعون لذلك. لكنهم من الرأي الذي يعتبر أن الوحدة المغلوطة على أساس التسويات والتنازلات والتلفيق أسوأ من ممارسة استراتيجية ثورية واضحة وإن انطلقت أصغر حجما وإمكانيات. يعتبرون أن الجدال النظري وخاصة ممارسة مختلف التصورات على محك الواقع وحدهما كفيلان بتشكيل الخط الماركسي الثوري الصحيح عن طريق تعديل مختلف الخطوط وتخليصها من أخطائها وأوهامها وفرز وتوحيد الثوريين فيما بينهم ومع القوى الاجتماعية الثورية.
لا يدعي الماركسيون الثوريون أنهم وثورتهم يحلون كل مشاكل العالم ولا الأولوية المطلقة أو العلوية الأخلاقية لنضالاتهم على غيرها. يقولون فقط أن استراتيجيتهم لتحقيق تغيير اجتماعي يفتح مختلف أبواب الانعتاق هي الأفضل. لذلك لا يتوهمون ولا يسعون لاحتكار النضال السياسي والاجتماعي والثقافي. فلا يعادون ويتقاطعون مع عديد المجموعات السياسية والاجتماعية.
يكون التعامل مع هذه الفعاليات دائما بعيدا عن التنازل والتلفيق والخلط النظري وخاضعا للأولويات الاستراتيجية والخطط التكتيكية للماركسيين الثوريين. كما لا تساوم المجموعة الماركسية الثورية في الاستقلالية السياسية للطبقات الشعبية ومصالحها ووحدتها ولا تتردد في أخذ المسافة الكافية من أي طرف ترى في التعامل معه تهديدا لها.
التنظيم الثوري
بالنظر للظروف الموضوعية لعيش الطبقات الثورية وللحواجز التي تضعها الرأسمالية أمام الوعي والفعل السياسيين الجماهيرين لا يمكن أن يتشكل الوعي الثوري لديها تلقائيا. لنفس السبب يكون التنظيم الماركسي الثوري طليعيا أي يتكون من أقلية أقصى وعيا وتنظما والتزاما من الطبقة الثورية.
تتبنى المجموعة النظرية الماركسية بمعنى المنهجية المادية التي طورها ماركس في دراسة تركيبة وحركة المجتمعات والممارسة السياسية على أساسها. تستفيد من مختلف التجارب والنظريات التي أنتجتها الحركة الماركسية وغيرها من الحركات التحررية. تستعمل هذه النظرية النقدية نفسها لنقد طابعها الأورمركزي وإنتاج خلاصات جديدة مبنية على الواقع الجديد لا تتردد في تغييرها مع تغيره.
يراوح ويجمع التنظيم الثوري بين السرية والعلنية. من طبيعته الطليعية وتأسيسه السابق لتنظيم الطبقة فهو مركزي (ولا يمكن أن يكون فيدراليا). يكرس ممارسة الديمقراطية فلا يحصرها في الانتخاب وخضوع الأقلية للأغلبية. يحد من البيروقراطية والتسلط باعتماد التداول الإجباري على المواقع التي تعطي أصحابها سلطة كبيرة. يسعى إلى تحقيق أعلى مستويات الوحدة الاستراتيجية والتنظيمية والسياسية فلا يأسس تيارات داخله لكنه لا يعتمد مبدأ منع "التكتلات" الذي يشكل أداة تصفي بها الزعامات البيروقراطية معارضيها.