تتابع المجموعة الماركسية الثوريّة مهزلة الانتخابات الرّئاسيّة المزمع إجراؤها يوم 6 أكتوبر. تعتبر المجموعة هذه الانتخابات انتخابات صوريّة تفتقر إلى أدنى مقوّمات الدّعاية السّياسيّة الحرّة والغاية من ورائها ترميم نظام 25 جويلية الذي تقوده بيروقراطية الدّولة وصورة بوقها الإيديولوجيّ قيس سعيّد. تراجعت شعبيّة هذا الأخير أمام افتقاره لبرنامج سياسيّ شعبيّ وتنظيم يسعى إلى تنزيله بشكل ملموس، وبصفة أدقّ أمام عدم استجابة حكوماته لحاجات الطبقات الشعبيّة وعدم اتّخاذها أيّ إجراءات ملموسة تعبّر عن مصالحها، ولم تعد الشعارات المغالطة التي يرفعها كافية للتعتيم عن طبيعة دولة رأس المال التابع التي يترأسها، ومن هنا جاءت حاجة النّظام إلى المرور نحو تشديد القمع وتضييق مربّعات الحريات السّياسيّة التي اضطرّ التّحالف الطبقيّ الحاكم إلى تقديمها كتنازل خلال العشرية الماضية وإلى إقامة انتخابات شكليّة لإضفاء مشروعيّة زائفة على تعبيرته الإيديولوجية قيس سعيّد.
إنّ انتخابات تأتي في سياق هجمة على الحريات وانتقال شكل السلطة إلى الاستبداد البوليسيّ وتتّسم بما نشهده من عزل وتتبّع أمنيّ وقضائيّ للمرشّحين لا يمكن أن تكون بالنّسبة للثوريّين فرصة للتّسييس والدّعاية والمراكمة للتّغيير الجذريّ. قيس سعيّد في هذا السياق هو مرشّح دولة رأس المال التّابع التي تتجنّد بأجهزتها القمعية والإداريّة وبصناديقها الاجتماعية ومؤسساتها الإيديولوجية إلخ.، لإقصاء منافسيه وحسم الانتخابات لصالحه، لأنّها لا زالت ترى فيه حلاّ لأزمتها السياسيّة وخادما مطيعا لمصالحها وبوقا دعائيا قادرا على تزييف وعي الجماهير وتأبيد الهيمنة الإيديولوجيّة للبرجوازية التابعة وحليفتها بيروقراطيّة الدّولة.
لا نكتفي كماركسيّين بنقد الانتخابات من منطلقات النزاهة الليبراليّة، إذ ندرك أن الانتخابات في المجتمعات الطبقيّة لا يمكن أن تكون نزيهة. يرتكز نقدنا لها على فضح غياب شروط الدعاية السّياسيّة الحرّة في ظلّ بولسة الفضاء السياسيّ.
تنطلق المجموعة الماركسيّة في بناء موقفها من الانتخابات من تحليل وضعيّة المجتمع ومختلف طبقاته – ولا سيم الطبقات الثوريّة – وطبيعة النّظام والمصالح التي تمثّلها التعبيرات السياسيّة التي تشكّله وموازين القوى ومدى قدرة الاشتراكيين والشّيوعيين على التأثير فيها. تعتبر المجموعة أنّ ثلاث سنوات كافية للحسم في نظام 25 جويلية واعتباره لحظة رجعيّة أنتجها تعفّن منظومة الانتقال الديمقراطيّ لحلّ الأزمة السّياسيّة للطبقات المهيمنة ولم تؤدّي إلاّ إلى استشراس دولة رأس المال التابع وإطلاق العنان لأجهزتها القمعيّة، وترى أنّه من العبث الحديث عن إمكانيّة المناورة من داخل مسار 25 جويلية. لم يتنكّر قيس سعيد مثلما يزعم البعض للمسار بل ظلّ وفيّا له بصفته مسارا رجعيّا قام على تقديس الدّولة وتعميق عزلة الجماهير عن السّياسة الحقيقيّة لتأبيد الهيمنة الطبقيّة للبرجوازية التّابعة. كما لا يخفى على مناضلي المجموعة الوزن الهامشيّ للقوى الاشتراكيّة والشّيوعيّة وعجزها عن التأثير في الانتخابات. تعود هامشيّة هذه القوى لضعفها التنظيميّ وأزمتها النظريّة التي جعلتها تحيد عن التحليل الماركسيّ السليم وإلى عزلتها عن الطبقات التي تعتبر نفسها تعبيرتها السياسيّة وطليعتها. من الجدير هنا التذكير بديناميكيّة الإحباط والاستقالة في صفوف البروليتاريا وحلفائها وباعتبارنا المرحلة مرحلة دعاية سياسيّة وإعادة بناء للحركتين البروليتاريّة والماركسيّة. على هذا الأساس، يمكن المراهنة على أن الطبقات التي تعنينا لن تشارك بكثافة في هذه الانتخابات وقد لا تهتمّ بها أصلا واستبعاد أن تكون فرصة مهمّة للعمل على تحقيق أهدافنا التكتيكية في الدعاية وإعادة البناء، خاصّة بالنّظر للتضييق البوليسي وغياب الصراع حول البرامج عن هذه الانتخابات.
من هذه المنطلقات، تتبنّى المجموعة الماركسيّة مبدأ الالتحام مع الجماهير في صراعها مع النّظام ومواجهتها لموجة القمع. تنزّل هذا المبدأ في تكتيكات مرحليّة تهدف إلى الانغراس وافتكاك مربّعات سلطة وجرّ الصّراع مع النّظام إلى مربّعاتها فضلا عن مواصلة عمليّة بناء التّنظيم الطليعيّ القادر على قيادة الطبقات الثورية للانتصار على الطبقات المهيمنة وأجهزتها في الصراع الطبقيّ وإقامة دكتاتورية البروليتاريا. لا تندرج الانتخابات الحاليّة في هذه التّكتيكات المرحليّة كما لا ترى المجموعة من جدوى للدعوة للمقاطعة في ظلّ افتقارها لآليّات إنجاحها فضلا عن العزوف المتوقّع للطبقات الشعبيّة. تعتبر المجموعة الماركسيّة الثوريّة نفسها غير معنيّة بهذه العمليّة الانتخابيّة وتهدف إلى القيام على هامش هذه الانتخابات بدعاية سياسيّة على أساس برامج تعبّر عن مصالح الطبقات المضطَهدة وتعيد للفاعلين الحقيقيّن إيمانهم بإمكانيّة تملّك مصيرهم.
تعتبر المجموعة الماركسيّة أنّ القطع مع الأوهام الارتجالية التي يبيعها اليسار من وسطه إلى أقصاه للشبيبة الثوريّة أصبح ضرورة ملحّة، وترى أن التعلّق بهذه الأوهام ناتج لضعفه النظريّ والبرنامجيّ والاستراتيجيّ والتنظيميّ الذي تكثّفه في كلّ مرّة عناوين تلتفّ حولها مجموعة من حاملي النوايا الطيّبة وتفتقر إلى الحدّ الأدنى من التّجذّر والفهم الماديّ للواقع الملموس. لا يجب أن تخضع الممارسة السياسيّة إلى الانفعالات العاطفيّة للأفراد، بل يجب أن تكون عملا دؤوبا ومنهجيا على كل هذه الأصعدة. هذا العمل الدؤوب وطويل الأمد هو ما سيحصّن الثوريّين من الإحباطات الّتي تلي لحظات الحماس والاندفاع العاطفي، لأنّهم ينطلقون فيه من فرضيّة أنّنا لسنا في سياق ثوريّ وأنّ التغيير الجذريّ لا زال بعيدا ويجب علينا أن نراكم له بالخطط والبرامج والنضال صلب الطبقات الشعبيّة. في نفس سياق القطع مع الأوهام، تعتبر المجموعة إمكانيّة إسقاط الاستبداد البوليسيّ أو مقاومته دون استنهاض الجماهير مثلما دأب على ذلك اليسار طيلة السنوات الماضية وهما يجب أن يسعى الماركسيون إلى تحطيمه.
في وسعنا أن نقدّم لأنفسنا وللطبقات التي ننحاز لها أفضل من التذيّل لأطراف الصّراع والانخراط في السّياسة الرسميّة المهيمنة.