بعد مهزلة قضائية دامت الآن قرابة ثلاث سنوات، ثبتت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي بسجن غسان بن خليفة لمدة ستة أشهر. هذا وتنتظره قضية أخرى أكثر خطورة يتهم فيها بـ « الإرهاب ».
انطلقت هذه التتبعات على أساس تقرير هزيل من المصالح الفنية للشرطة يتناقض حتى مع اعترافات المسؤول الحقيقي عن الأفعال المنسوبة لغسان. ويؤكد ضعف هذا الملف المصطنع من وزارة الداخلية، ما أشرنا إليه سابقا من جبن قضاء لم يرتق يوما إلى أدنى درجات الليبرالية والشكلانية القانونية البرجوازية، ناهيك عن أي مفهوم ممكن للعدالة. قضاء ورثناه على استبداد 7 نوفمبر، لم يدخل عليه انتهازيو الحكم « الديمقراطي » أي إصلاح. قضاء دأب على إرسال أبناء الأحياء الشعبية والمعتمديات الداخلية المهمشة إلى السجون بالعشرات كل شتاء. السجون التي توفي فيها مؤخرا الشابين حازم عمارة وأمين الجندوبي، فكيف نستغرب إدانته لأحد أبرز أنصارهم؟!
غسان المناضل الاشتراكي، المعروف بفضحه لكل أوجه التطبيع مع الصهيونية والتبعية للإمبريالية، أزعج دولة تفعل عكس ما يدعيه ممثلها الإيديولوجي الأكبر. خاصة أنه هاجمها من وجهة نظر الطبقات الشعبية والسيادة الوطنية لا من منطلق الامتيازات النخبوية البرجوازية-الصغيرة.
ليس من الغريب إذن أن مصالح وزارة المراقبة والعنف، وضعته في قائماتها السوداء، ومن هناك فإن الطريق القضائي كان معبدا بالسياسة الجزائية لوزيرة السجون، التي يبدو أن أداءها يحظى برضاء كبير من الرئيس المشرف على تعفن الأوضاع في البلاد، الذي أعلن ذات يوم « من يبرئهم فهو متواطئ معهم ».
يستدعي هذا المستجد غير المفاجئ، ردا واضحا من الاشتراكيين وأصدقائهم وحلفائهم: محاكمة غسان لا تخيفنا ولا تربكنا بل تزيدنا عزما وشعورا بالمسؤولية وتوطد صفوفنا. إن الحفاظ على شوارع ممتلئة بالمناضلين والأفكار السياسية الثورية هو الضامن الفعلي للحرية السياسية.
وإن كانت قناعتنا اليوم أن مسار العدالة مسار سياسي طويل المدى، يمر بعمل دؤوب لكسب ثقة الطبقات الشعبية في برنامج الاشتراكيين، فإننا لا نهجر المعركة القضائية وهدفها المباشر اليوم: إيقاف تنفيذ الحكم السجني في حق غسان وإنهاء المهزلة القضائية بالتخلي عن كل هذه التتبعات الجائرة. ولا يمكن الضغط على السلطة الرجعية القائمة، إلا بكسب تعاطف أكثر ما يمكن من جماهير شعبنا في وجه تشويهاتها المنتظرة.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق