تمهيد
تتّسم المرحلة الراهنة باتّساع وتعمّق أزمة البلاد
والمنطقة العربية عمومًا. إذ انتهت مرحلة
التفاؤل الثوري والمدّ الجماهيري التي رافقت بدايات الانتفاضات الشعبيّة، لتدخل
المنطقة عمومًا في مرحلة جزر حادّ، قد تطول. فنحن نشهد حالة انحطاط عامّ على كافة
المستويات: السياسية، الثقافية، الاقتصادية والخ. (تتمظهر أساسًا في: سيطرة
الطبقات الرجعية على السلطة، مزيد من التبعية والهيمنة الامبريالية، التجزئة
القوميّة، تزايد التطبيع الرسمي مع العدوّ الصهيوني، الطائفية والنعرات المذهبية
والاثنية الانعزاليّة، تغلغل الفيروس الليبرالي واختراقه لكافّة الطبقات، هيمنة
الفكر الرجعي المتديّن على الطبقات الشعبية، تزايد العنف المجتمعي والجريمة والخ).
بالمقابل، لا نرى بعد انبثاقًا أو صحوة حقيقيّة
لليسار الثوري رغم مرور عقد ونيف على اندلاع الانتفاضات الشعبية بالمنطقة. وذلك
بالرغم من شبه الإجماع الذي ساد مكوّنات الطيف اليساري الثوري على أنّ أحد أهمّ
الأسباب البنيوية لفشل هذه الانتفاضات في التجذّر والتحوّل إلى ثورات منتصرة، يعود
إلى افتقاد الطبقات الشعبية المنتفضة للبديل اليساري الثوري الذي يعبّر عن مصالحها
الطبقية ويؤطّر نضالها وتضحياتها.
لا ينفي هذا وجود محاولات ومبادرات للخروج من
هذا الوضع خلال السنوات الماضية، إلّا أنّ أغلبها قد فشل في التحوّل إلى قوّة
ماديّة مؤثّرة في الواقع. وحتى التي نجحت في ذلك نسبيًا (مثلا تجربة اليسار
السوداني من خلال "تجمّع المهنيين") لم تستطع حسم مسار الأحداث لصالح
الثورة. أمّا في تونس فقد حصلت محاولات لـ "توحيد/تجميع اليسار" تمّ
استيعابها بهذه الدرجة أو تلك ضمن المنظومة السائدة، لتتحوّل – في أفضل الأحوال –
إلى قوّة احتجاجية/اصلاحية ضعيفة، محكومة بقواعد عمليّة "الانتقال
الديمقراطي" البرجوازي، وعاجزة عن الانغراس في الطبقات الشعبية التي تسعى
للدفاع عنها (جبهة 14 جانفي، ثمّ الجبهة الشعبيّة مثالًا بارزًا) إلى أن انتهت
بالفشل والاندثار الذيْن كانا متوقَّعيْن. وأمّا المحاولات المتموقعة أكثر يسارًا
(الجبهة الثورية مثالاً وغيرها من محاولات "التأسيس" الأخرى)، ورغم
جدّية بعضها، فقد آلت بدورها للاندثار أو التعثّر لأسباب مغايرة (الإغراق في
الدغمائيّة، عدم القدرة على تجاوز الخلافات السكتاريّة، عدم القدرة على خلق بدائل
محايثة للواقع المتشعّب والمتغيّر...) أو إلى تأسيس أحزاب "شيوعية"
جديدة لا تقطع جديا مع أسباب فشل التجارب السابقة.
إلّا أنّ التفاقم المتواصل لظروف البلاد والمنطقة
وشعوبها (وخاصّة إثر انتصار الثورات المضادّة في جلّ الأقطار وانتهاء الانتفاضات
بحروب أهلية أو بانقلابات عسكرية، أو "دستورية" كما جرى مؤخرا في تونس) يستدعي
من جميع الماركسيّين الثوريّين المُخلصين الوعي بدقّة اللحظة التاريخية الصعبة،
والتداعي بأسرع وقت ممكن إلى بناء مشروع استراتيجي نضالي جذري، يتعلّم من أخطاء
ونقائص التجارب السابقة ويتجاوزها، ويستفيد من التجارب النضاليّة الناجحة في مختلف
أنحاء العالم (وببلدان الجنوب تحديدا). مشروعٍ لا يلغي الاختلاف النظري والإيديولوجي النسبي، أو حول التكتيكات النضاليّة،
بل يعمل على عقلنتها وتوحيد الموقف منها عبر البحث الجماعي والنضال المشترك. كما
يعطي الأولوية لبناء أعلى مستويات الوحدة الإيديولوجية والسياسية والتنظيمية،
ويربط التقدّم في المجال النظري بما ستفرزه الممارسة في الواقع من نجاح أو فشل.
على ضوء ما سبق من مبادئ، نضع هذه الأرضية النظرية
السياسية للمنظّمة الماركسيّة الثوريّة، التي تمثّل ما توافقنا عليه من مرتكزات
نظرية وسياسية ومن ملامح لتصوّرنا الاستراتيجي البديل. ولئن تمثّل هذه الوثيقة
مرجعيّتنا النظرية والسياسية الجامعة، فإنّها كذلك ورقة نتقدّم بها للنقاش إلى كلّ
المجموعات والذوات الماركسية الثوريّة التوّاقة إلى بناء البديل الشيوعي الثوري في
تونس.
1. طبيعة المرحلة وتناقضاتها
الأساسيّة:
التناقض الرئيسيّ:
بين الشعوب والأمم
المضطهَدة والامبريالية وعملائها. ويمكن تفصيله
على النحو التالي:
- قُطريا: بين "الطبقات
الشعبية" (أنظر أسفله:
"الذات الثورية") من جهة، والتحالف
الطبقي الحاكم (الذي تشترك مكوّناته في الطابع البرجوازي الكمبرادوري - أنظر
أسفله: "الأعداء الطبقيون")
من جهة ثانية. تجدر الإشارة إلى أنّ هذا التناقض الطبقي يتقاطع في تونس مع
تناقضيْن جغرافيَّين مرتبطيْن به: الأوّل بين الجهات الداخلية المُهَمَّشة
والجهات الساحلية، حيث تتركّز أغلب مرافق الدولة وبنيتها التحتية وتتراكم
جُلُّ الثروة الرأسمالية؛ والثاني بين الأحياء الشعبيّة المُحيطة بالمدن
الكبرى، حيث يكتظّ الكادحون والمُعطّلون عن العمل، ومراكز المدن حيث تعيش
غالبًا الطبقات البرجوازية والبرجوازية الصغيرة.
ويقبع وراء التحالف الطبقي
المذكور أعلاه، شركاؤه/أسياده من
البرجوازيات الامبرياليّة (الغربيّة أساسًا): الأمريكيّة والأوروبية
(خاصّة الفرنسية، الألمانية، الايطالية، البريطانية)، وحليفهم: الصهيونيّة، وأعوانهم من البرجوازيات الرجعيّة
العربيّة (تحديدا في الخليج).
- عربيًا: بين "الطبقات
الشعبية" بمختلف الأقطار العربية من جهة، والكيان الصهيوني والبرجوازيات
الامبرياليّة الغربيّة، وعلى رأسها الأمريكية، وعملائها من البرجوازيات
المحلّية الحاكمة من
جهة ثانية.
وتُعَدُّ كذلك تناقضات أساسيّة:
- أمميًا: بين الطبقات الشعبيّة بالبلدان والأمم المضطهَدة بالجنوب،
بالتحالف مع الطبقات الكادحة والقوى الثوريّة في الرأسماليات المتقدّمة، ضدّ
الصهيونيّة والبرجوازيات الامبريالية (بما في ذلك الشركات الكبرى ومتعدّية
الجنسيات) وعملائها من البرجوازيات المحلّية.
- بين القوى الامبريالية التقليدية المهيمنة
(الولايات المتحدة، أوروبا الغربية، اليابان) وقوى دولية صاعدة (تحديدا روسيا
ذات التأثير الجيوسياسي المهمّ والصين كدولة قومية ذات احتمالات تحوّل إلى
امبريالية). ويندرج هذا التناقض ضمن إطار الرأسمالية المُعوْلَمَة.
التناقضات الثانويّة:
· قُطريًا: بين مختلف تيّارات اليمين
الحداثوي (من أحزاب ذات مرجعيّة "بورقيبية" إلى الأحزاب الليبرالية
الجديدة) واليمين المتديّن (حركة النهضة، ائتلاف الكرامة وما لفّ لفّهما). ولم
يمنع هذا التناقض الثانوي وما يميّزه من تنافس من أن يشكّل هذين القطبين الإطار
السياسي للتحالف الطبقي الحاكم طيلة العشرية الماضية.
· اقليميًا: بين المحاور الاقليميّة (أي
بين الطبقات/ التحالفات الطبقية المهيمنة على مكوّناتها): محور أ (إيران،
سوريا، العراق، حزب الله، الحوثيين والخ بدعم من روسيا) من جهة والمحوريْن ب
(تركيا، قطر، الإخوان المسلمون، بدعم من "التيّار الامبريالي الليبرالي العوْلمي"،
الذي مثّله أوباما، كلينتون، ميركل، هولاند، جورج سوروس والخ) وت (السعودية،
الإمارات، الكيان الصهيوني، الديكتاتوريات السابقة أو العائدة بدعم من
"التيّار الامبريالي القومي/شبه-الفاشي"، ترامب، تيريزا ماي، بوش،
ساركوزي والخ) +
o بين المحوريْن ب وت المتنافسيْن على دور
الحليف/العميل الأوّل للإمبرياليات الأمريكية والغربية وللكيان الصهيوني في
المنطقة.
o بين الطبقات الشعبيّة بالمنطقة والقوى الدولية الصاعدة (روسيا، وربّما الصين مستقبلاً)، والأنظمة الاقليميّة ذات
المشروع القومي التوسّعي (إيران وتركيا).
· أُمميًا: بين القوى
الامبرياليّة الغربية: رغم ما بينها من تحالف وثيق، بقيادة الولايات المتحدة
الأمريكية، فإنّ هذه القوى تتنافس فيما بينها وتتضارب مصالحها أحيانًا في عمليّة
بسط النفوذ والاستغلال الامبريالي لبلدان الجنوب، وفي منطقتنا بشكل رئيسي.
2. تحديد معسكريْ الثورة وأعداؤها في القُطر:
الأعداء الطبقيّون:
التحالف الطبقي الحاكم خلال العشرية الماضية. وقد تشكّل أساسًا من:
· البرجوازية الكمبرادوريّة (وكلاء رأس
المال الامبريالي/ ممثّلو الشركات متعدّية الجنسيات، البنوك المرتبطة برأس المال
المصرفي الدولي وشركات التأمين الدوليّة، كبار تجّار التوريد، "المستثمرون
الفلاحيون" المختصّون في الفلاحة التصديريّة، أصحاب النزل وكبرى وكالات
الأسفار.
تنضوي تحت قيادة هذه البرجوازية شرائح عليا من البرجوازية الصغيرة المنخرطة فيما
يُسمّى بـ "المجتمع
المدني" اللييرالي والمرتبط امبرياليًا، والتي يمكن وصفها بـ "جماعات استبدال
طبقي". تهيمن هذه البرجوازية على
التحالف الطبقي وتقوده فعليا نظرا لدورها المركزي في نمط الإنتاج السائد (حتى وإن
لم تكن دائما في القيادة السياسية بالسلطة. وقد تموقعت سياسيًا خلال
العشرية الأخيرة بشكل أساسي في أحزاب اليمين الحداثوي، وكذلك بشكل متزايد في
اليمين المتديّن: قلب تونس، نداء تونس، آفاق، البديل التونسي، المشروع، عيش تونسي
والخ، وأكثر فأكثر في بعض أجنحة حركة النهضة، من جهة ثانية.
· البرجوازية البيروقراطية (الشرائح
المتمعّشة من الدولة: رؤساء ومديرو المؤسّسات والشركات والمصالح العمومية وكبار
الموظّفين والمديرين والضبّاط والخ) + البرجوازية
الطفيليّة العقّارية/كبار المقاولين + جزء من كبار المهرّبين، وجميع هذه
الشرائح مرتبطة بالدولة بشكل مباشر أو غير مباشر وتمثّلهم سياسيا مختلف تيّارات
اليمين الحداثوي (حزب نداء تونس وتحيا تونس والخ سابقًا، حزب الدستوري الحرّ
حاليا).
· كبار مالكي الأراضي وكبار الفلاحين + جزء
من كبار تجّار التوزيع وجزء من كبار
المهرّبين الحدوديّين + جزء من البرجوازية الطفيليّة المصرفيّة المرتبطة
بالخليج. ويمثّلهم سياسيا بالأساس اليمين المتديّن/حركة النهضة.
·
البرجوازية الصغيرة، بفئاتها المتعدّدة:
o البيروقراطية المرتبطة بالشركات الخاصة (موظفي مختلف أنواع الشركات الذين يُطلق عليهم عادة
"الكوادر"). وهي الممثل المباشر للبرجوازية والعدو المباشر للعمال في مكان الشغل.
o كذلك هناك فئة أخرى من البرجوازية الصغيرة،
تتمثّل فيما يُعرف بـ "أصحاب المهن الحرّة" (أطباء، صيادلة،
محامون، مهندسون، خبراء محاسبون، إعلاميون والخ).
تحمل هذه البرجوازية-الصغيرة عن
نفسها صورة "النخبة" التي يروّج لها الإعلام البرجوازي ويحدوها أمل/وهم
كبير بالارتقاء الطبقي إلى مصاف البرجوازية. تمثل رافعة أساسية للتبعية
الثقافية والإيديولوجية النيوليبرالية إذ يرتبط نمط استهلاكها وعيشها عضويا
بالطابع الكمبرادوري للمنظومة الاقتصادية القائمة.
"الذات الثوريّة" (الطبقات/الشرائح الاجتماعية
المعنيّة بالتغيير الثوري):
يجب العمل بالتوازي على الانغراس "من
تحت" ضمن جميع
الطبقات/الفئات الآتي ذكرها، بهدف توحيدها وصهرها في "ذات ثوريّة" تتشكّل من كتلة تاريخية
أو تحالف للطبقات الشعبيّة، تحمل مشروعًا ثوريًا متجانسًا بقيادة سياسية متحّدة. وإلى جانب التأكيد على الدور الرئيسي للطبقات
الشعبية في انجاز الثورة الوطنية الشعبيّة وبناء الاشتراكية، ستُبرز التجربة
وتطوّرات الواقع أيُّ هذه الفئات/الطبقات سيكون الأكثر استعدادًا، حسب طبيعة كلّ
مرحلة، للعب دور "الطليعة التكتيكيّة"، في عملية التغيير الثوري.
· المُهمَّشون في ظلّ التبعية الاقتصادية للمنظومة الرأسمالية المعولمة، يُعَدُّ هؤلاء
الشرائح والفئات الاجتماعية الأكثر تضرّرًا من السياسات التفقيرية
النيوليبرالية وانتفاضا ضدها منذ عشر سنوات على الأقل. ونظرا لكونها لا تملك
ما يمكن أن تخسره فإنّها ذات المصلحة الأكبر في التغيير الثوري والأكثر
قابلية للمواجهة الميدانية الجذرية للنظام. لكنّ ذلك مشروط باكتسابها الوعي الضروري بذلك (رغم صعوبة العمل في وسطها بسبب
ما تعانيه من انفصال عن عملية الانتاج وهيمنة ثقافية لليمين المتديّن وسهولة جذبها
من شبكات الجريمة الصغيرة والتطرّف الديني). وهي أساسًا موجودة في الأحياء الشعبيّة والجهات الداخلية:
o
الكادحون غير النظاميّون
(الذين يشتغلون بشكل هشّ وغير منتظم عمومًا، خارج الأطر المنظّمة قانونيا من
الدولة ورأس المال. مثال الباعة المتجولون، أصحاب "النصُب" في الأسواق،
عمّال البناء والدهانة والمقاهي والخ)
o
المعطّلون عن العمل
o
الفلاحون والفلاحات بلا أرض
· العمّال، بمختلف فئاتهم (في الصناعة، في الخدمات، في الزراعة، في التجارة). وهنا يجب أن تكون الأولوية للانغراس ضمن الفئات الأكثر ارتباطًا بعملية
الانتاج الاقتصادي والأكثر تعرّضًا للاستغلال الرأسمالي، لمصلحتها في التغيير
وخاصّة لقدراتها التنظيمية (مع ضرورة الوعي بدرجة تغلغل القيم الاستهلاكية
والفردانيّة والخوف من المخاطرة في صفوفها).
· صغار الفلاحين الفقراء: أي أولئك المتضرّرين من هيمنة كبار
الفلاحين وملاّكي الأرض، ومن شركات البذور والأدوية متعدّية الجنسيات، والمحرومين
من الأراضي الواسعة والجيّدة ومن الماء والتقنيات الحديثة والخ.
· المثقّفون الثوريّون: حاملي الوعي البروليتاري الثوري من أبناء
الطبقات الكادحة أو من أصل برجوازي صغير.
· كما يهتمّ الماركسيون الثوريون بـالعمل ضمن الشباب الطلّابي والتلمذي لما له من طاقة كامنة، تنظيميًا وتعبويًّا. فبعيدًا عن المثاليّة، لا نتوهّم
أنّ بناء تحالف الطبقات الشعبيّة سيحصل تلقائيا. اذ سينطلق العمل على تنظيم هذه
الطبقات لا محالة من مناضلين ثوريين لا ينتمون إليها اجتماعيا بالضرورة لكنّهم
يُعَدّون مكوّنًا من مكونات الذات الثورية بانتمائهم السياسي إليها وعملهم على
وحدتها. وفي هذا الصدد لا يتجاهل الماركسيون الثوريون أهمية الحركة التلمذية والطلابية
في عمليّة التكوين ونشر الثقافة والوعي الثوريّين. لكنهم لا يعتبرون الحركة
الطلابية في حدّ ذاتها قوة تغيير اجتماعي. واذ يعملون على إقناع الطلبة الثوريين
بأطروحاتهم فهم يدفعون إلى التحام الطلبة بالطبقات الشعبية وأولوية ذلك على العمل
الطلابي المنفصل ومحدود الأفق السياسي.
كذلك لا يعادي الماركسيون ويتقاطعون ويمكن أن
يتحالفوا مع:
- الشرائح الدنيا من
الطبقات الوسطى (المتضّررة من
السياسات التفقيرية و/أو المتمسّكة بالسيادة الوطنية). اذ يمكن التقاطع مع
بعض القطاعات من الطبقات الوسطى الناشطة في مقاومة التقشف (في الصحة والتعليم
مثلا) أو مناهضة التطبيع. لكن يحتفظ الماركسيون الثوريون بحرية نقدها حيثما
اتسمت ممارساتها بالقطاعوية والانتهازية ومهاجمتها حيثما تعارضت ممارستها مع
مصالح الطبقات الشعبية. يعني ذلك بالخصوص عدم التردّد في نقد اتحاد الشغل
كممثل رسمي لهذه الطبقات مرتبط عضويا بالدولة البرجوازية التابعة القائمة.
- بعض الحركات الاجتماعية (المطالبين بالشغل،
المطالبين بالحقّ في الماء، المطالبين بالتمييز الإيجابي للجهات المفقّرة
والخ) والجمعيّات (غير الليبرالية الخاضعة لأجندات امبرياليّة). مع إمكانيّة العمل
فيها، والسعي لتجذيرها (المدافعون عن البيئة، عن السيادة الغذائيّة، أنصار
الفلاحة الايكولوجيّة، المهتمّون بالبذور الفلاحية الأصليّة، المناهضون
للتقشّف، المناهضون للتطبيع، حركات المشجعين الرياضيين "الأولترا"،
التيارات الشعبية والثورية في الحركتين النسوية والكويرية، المدافعون عن
اللغة العربيّة دون شوفينيّة والخ.). كذلك ضرورة التفاعل الإيجابي – خاصّة في
إطار العمل الجماهيري والمشترك - مع المتديّنين المتبنّين لقراءة تقدّمية
للدين والتراث والساعين لإبراز قيم العدالة الاجتماعيّة والثورة على
الاستغلال والظلم فيه. يكون التعامل مع هذه الفعاليات دائما بعيدا عن التنازل
النظري وخاضعا للأولويات الاستراتيجية والخطط التكتيكية للماركسيين الثوريين.
كما لا يساوم هؤلاء حول الاستقلالية السياسية للطبقات الشعبية ومصالحها
ووحدتها ولا يتردّدون في أخذ المسافة الكافية من أي طرف يرون في التعامل معه
تهديدا لها.
3. المشروع (نظريا وسياسيا):
توصيف أوّلي لطبيعة نمط
الإنتاج:
وإن تحتاج هذه المسألة الأساسية مزيدا من التفصيل والتعميق، يمكننا
التوافق على ما يلي: نمط الإنتاج السائد في تونس (وفي جلّ الأقطار العربية) هو
أقرب ما يكون إلى نمط انتاج مرتبط إلى حدّ كبير ومتزايد بالمراكز الامبريالية بحكم
الانخراط المتزايد لتونس في المنظومة الرأسمالية المعولمة.
ولا نعتقد أنّ هنالك من يعترض على وصف وضع البلاد بأنّها مستعمرة بشكل
غير مباشر ("شبه مستعمرة"). وأمّا نمط الإنتاج المهيمن فهو "رأسمالي تابع" أو "كمبرادوري" أو "كولونيالي"... وهي توصيفات تعبّر بتقديرنا
عن اختلافات كمّية لا نوعيّة.
بناء على الفقرة السابقة، يكون من البديهي بتقديرنا أن نفهم أنّ طبيعة
الثورة القادمة كما يلي.
طبيعة الثورة:
- وطنية-شعبية: تقوم
بها الطبقات الشعبيّة ضدّ الامبريالية وعملائها المحلّيين. فترسي
سلطتها السياسية وتبني اقتصادها المنتج المتمركز على حاجياتها، وتسنّ اصلاحا
زراعيا جذريا (غايته السيادة الغذائية). تضمن الحريات العامة والفردية لعموم
الشعب باستثناء الطبقات الرجعية المعادية للثورة.
- ذات أفق اشتراكي (تهدف لبناء الاشتراكية وتبدأ في زرع بذورها منذ ما قبل نجاح
الثورة، كخطوة أولى نحو المجتمع الشيوعي المنشود)
- ذات
أفق وحدوي: تسعى إلى
بناء وحدة عربيّة تدريجيّة قائمة على أسس ديمقراطية واشتراكية معادية للإمبريالية،
تستوعب التنوّع الإثني واللغوي لشعوب المنطقة، على أساس الروابط الثقافية والتاريخية
التي تجمع هذه الشعوب وانطلاقا من القناعة بأنّه لا امكانيّة لبناء
الاشتراكيّة وحماية الثورة في قُطر واحد.
تفصيل أوّلي لطبيعة الثورة:
- وطنيّة-شعبية: بمعنى استكمال مهمّة التحرّر الوطني من الاستعمار غير المباشر أو
هيمنة الامبريالية وأتباعها البرجوازيين المحليين. فتقوم الطبقات الشعبية
بمهمة افتكاك السلطة من البرجوازية على مستوى وطني في مرحلة أولى نحو البناء
الاشتراكي الوحدوي.
وتتمظهر الهيمنة الامبريالية أساسا في مجالات الاقتصاد (الديون الخارجية،
شروط المؤسسات المالية الدولية، الاتفاقيات التجارية الثنائية، استمرار
مسارات الخصخصة وفتح السوق الداخلية وتحرير الدينار والتفريط في سيادة الدولة
على البنك المركزي والقطاع المالي عموما، مواصلة التشجيع على ضرب طبقة صغار
الفلاحين لصالح "المستثمرين الفلاحيّين" وفتح المجال لشركات الفلاحة
التجارية الأجنبية عبر التمهيد لاتفاقية "أليكا"، ومواصلة إطلاق يد
البرجوازيات التجارية والصناعية والعقارية في رقاب العمّال والكادحين والخ).
وفي مجال الثقافة (الهيمنة المتواصلة لفرنسا عبر تشجيع تدريس لغتها وتدخّلها
في البرامج التربوية وتدخلها في تمويل الجمعيات والفنّانين والخ، وبشكل
متزايد دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا وبريطانيا وهولندا... دون الحديث عن
النفوذ المتزايد للولايات المتحّدة عبر أذرعها الجمعياتية
و"التنموية" ومعاهدها والخ). وهو ما يفرض بداهة الهيمنة السياسية
التي تبدأ من التدخّل السافر في الموقف الرسمي التونسي من القضايا القومية
والإقليمية (مثلا مسألة تجريم التطبيع) إلى جرّ البلاد أكثر فأكثر نحو
"حلف النيتو" وفرض التواجد العسكري على أراضيها... إلى التدخّل من
حين لآخر في مسائل ذات علاقة بالتوازنات السياسة الداخلية (مثلا موقف فرنسا
غداة انتخابات 2011 وفوز النهضة، أو استفزازات سفير فرنسا وتصريحات سفير
الاتحاد الأوروبي حول "أليكا" أو مواقفهم في قضايا مجتمعية داخلية
مثل مواضيع "الأقليات" وبشكل صارخ في أهم المحطات منذ 25 جويلية).
إثر انتزاع الطبقات الشعبيّة السيادة على الموارد والطاقات من أيادي
الامبريالية وأتباعها، تقوم بتوجيهها نحو تلبية حاجياتها. فتعمل على تحقيق
السيادة الغذائية بإسناد أراضي كبار المستثمرين وأراض دولية لصغار الفلاحين
والفلاحين بلا أرض والمعطلين عن العمل. كما تهدف إلى إنهاء البطالة والفقر
بالاستثمار في بناء اقتصاد منتج متمركز على الذات.
يستدعي كل ذلك ضمان مشاركة الطبقات الشعبية في الحكم وتعزيزها المستمر. وذلك
عبر توفير الأدوات الدستورية والقانونية لمشاركتها في اتخاذ القرارات وفي
مراقبة الحكومة والمجالس التشريعية ومحاسبتها والضغط عليها. وهذه من المسائل
الأساسية التي يجب على الشيوعيين أن يقدّموا فيها طرحًا جديدا يقطع مع بعض
التجارب الاستبدادية التي شوّهت الفكرة الشيوعية. ولا حاجة للقول بأنّ
التأكيد على ضرورة توفير أقصى درجات الديمقراطية والمشاركة السياسية للطبقات
الشعبية يعني بالمقابل ممارسة "القمع" بأشكاله المختلفة حسب السياق
ضدّ الطبقات الرجعية والكمبرادورية التي ستكون على رأس الثورة المضادّة.
يعني تحقيق الطابع الوطني-الشعبي باختصار استرجاع السيادة الوطنية على مختلف
المجالات: الاقتصاد صناعة وزراعة (السيادة الغذائية) وتجارة، والثقافة
(تعليمًا ولغة وفنونا واعلاما) وثروات (باطنية منها وسطحية) وتوجيهها نحو
تلبية حاجيات الطبقات الشعبية. ويعني في مجال السياسة الخارجية وعودة
الاهتمام والسعي لتوثيق العلاقات بالجوار المغاربي والعربي والافريقي ومع كلّ
بلدان الجنوب القريبة منا سياسيا.
- ذات
أفق اشتراكي: نعني بها بوضوح أنّ تزايد وتيرة وحجم ارتباط اقتصادنا بمراكز المنظومة الرأسمالية
المعولمة وانتهاء عصر ثورات الطبقة البرجوازية وتحوّل هذه الطبقة إلى قوة
رجعية في عهد الإمبريالية وخصوصا في البلدان التابعة ، سيفرض البدء حال
انتصار الثورة (بل وقبلها ما أمكن) في زرع نوى الاقتصاد الاشتراكي عبر تركيز
التعاونيات الفلاحية والخدماتية والحرفيّة (قبل الثورة)، ثمّ التعاونيات
الاقتصادية والتجارية والصناعية الأكبر (حال انتصار الثورة) والاقتصاد المخطط
بشكل تدريجي، وبالتعايش مؤقتا مع رأس المال في القطاعات المنتجة الذي يقبل
فاعلوه بشروط الحكومة الثورية الجديدة (تأميم أهمّ رؤوس الأموال الخارجية في
مجال الثروات الاستخراجية، تأميم ما أمكن من بنوك، تأميم وسائل الاعلام
الخاصّة (ومشركتها بين الصحفيين)، استرجاع القطاعات الاستراتيجية التي تمّ
التفويت فيها مثل قطاع الاتصالات والاسترجاع التدريجي لقطاعات الصحّة
والتعليم والخ)، تأميم قطاع التوريد (خاصة لكلّ ماله علاقة بالغذاء والخ).
وذلك حتى تتطوّر قوى الإنتاج (في الصناعة والفلاحة) ويقتنع الناس بنجاعة
وجاذبية النمط التعاوني/الاشتراكي وتنضج ظروف الانتقال للاشتراكية.
- ذات
أفق وحدوي: نعني بها
بوضوح السعي للدفع بأقصى ما يمكن الى تعزيز محاولات توحيد الأقطار العربية
بشكل ديمقراطي وذي مضمون وطني-شعبي. ولا يعني هذا الطرح تبنّي السرديات
القومية الشوفينية التقليدية، بل ينبثق من رؤية ديمقراطية (تضمن الحقوق
الثقافية لمختلف الإثنيات) وطبقية لمسألة الوحدة العربية، قائمة على فكرة
أساسية مفادها أنّه لا إمكانية لانتصار الثورة في تونس دون انتصارها في أكثر
ما يمكن من أقطار المنطقة العربية. وذلك نظرا لوحدة الأعداء (الإمبريالية
بمختلف مراكزها والصهيونية والرجعيات العربية) والمصلحة الموضوعية المشتركة
في بناء اتحاد كنفدرالي بين أكثر ما أمكن من أقطار الوطن العربي كشرط ضرورة
لصمود المشروع الإشتراكي في وجه الحصار الامبريالي الذي سيعمل على خنقه حتما.
وهي كذلك خطوة منطقية لبناء عالم متعدّد الأقطاب يسمح بنقل الصراع إلى بعده
الأممي بشكل فعليّ.
عمق الثورة ومجالها الحيوي
العمل الجادّ على بناء حركة ثورية فاعلة ومنسجمة في مختلف أقطار المنطقة
المغاربيّة والعربيّة، تهدف إلى توحيد قوى الثورة وانتصارها على امتداد
الوطن/العالم العربي.
مع توجّه أمَمي بأولويات جنوبيّة: بناء تحالفات قويّة مع القوى الثورية
في الجنوب (افريقيا جنوب الصحراء، أمريكا اللاتينية وآسيا) أساسًا، وكذلك مع القوى
الثورية المناهضة للامبريالية في دول المركز الامبريالي.
نظريّة الثورة
الماركسيّة كمرجعيّة نظريّة (الاستفادة من مختلف مدارسها وتجاربها ومفكّريها، وخاصّة تلك المنطلقة
من خصوصيات الشعوب والأمم المضطهَدة)، بعيدًا عن الدُغمائيّة والسكتارية
والاصلاحويّة والأورومركزيّة. واعتماد المادّية الجدليّة والتاريخيّة كمنهج يرشدنا
في "التحليل الملموس للواقع الملموس".
4. وسائل القوّة/ الأدوات التنظيمية (الماديّة/البشريّة
والثقافية)
(...)
5. القيادة السياسيّة
تقود وتنسّق وتوجّه عمل "وسائل القوّة"/الأدوات التنظيميّة دون
بيروقراطية أو تسلّط. تتكوّن من العناصر النوعيّة لمختلف هذه الأدوات. يفترض أن
تكون حزبًا ماركسيا ثوريا طليعيًا، يقبل داخله بالتنوّع، على قاعدة وحدة
الأهداف والبرنامج.
تُراوح حسب ظروف النضال بين العلنيّة والسرّية، وتعتمد المركزية الديمقراطيّة المَرِنة (أي
التي تضمن الانضباط الصارم في تنفيذ
المهام دون بقرطة) كمنهج تنظيمي يسعى لضمان وتصليب الوحدة الداخليّة بهدف
النجاعة القصوى في تحقيق الأهداف، مع فسح المجال للمبادرة والإبداع الثوري. كذلك
يقع اعتماد مبدأيْ التداول على المهام وإمكانيّة سحب الوكالة.
6. البرنامج السياسي المرحلي/ مرحلة ما قبل الثورة
يمارس الماركسيون الثوريّون الدعاية، من خلال
تنظيمهم السياسي (أو الحزب الشيوعي الذي يسعون لتأسيسه) والمنظمات الجماهيرية التي
يأسّسونها أو يشاركون فيها، للبرنامج المرحلي. وفي ظلّ تنامي الوعي الشعبي وتطور
ميزان القوى يضغطون ميدانيًا من أجل تحقيقه. ومن أبرز نقاطه:
· رفض تمرير اتفاقيّة "الأليكا"
التي من شأنها مزيد تدمير طبقة صغار الفلاحين، ولتداعياتها المدمّرة على مختلف
قطاعات الاقتصاد الوطني
· مراجعة الاتفاقيات التجارية والحدّ من
التوريد وتعديل الميزان التجاري
· المطالبة
بإصلاح زراعي، تكون غايته السيادة الغذائية، يضمن تحويل الملكيات الكبيرة والأراضي
الدولية لصالح صغار الفلاحين والفلاحين بلا أرض (والمعطّلين عن العمل المهتمّين
بالفلاحة) في شكل تعاونيات، وتوفير الدعم لهم
· سياسة تصنيعية تستجيب لحاجيات المجتمع
وتمتصّ القوة البشرية المعطلة عن العمل
·
التدقيق في مديونية الدولة وتجميد دفع الفوائد
والتوقّف عن الاقتراض الخارجي
· التراجع عن قانون استقلالية البنك المركزي
لتمويل الخدمات الاجتماعية والاستثمارات العمومية (مثلا: التغطية الاجتماعية
الشاملة، منحة عمل منزلي والخ)
· إصلاح جبائي عادل يشجع الاستثمارات
المنتجة ويضعف رأس المال الطفيلي
· فرض ضريبة على الثروة على رؤوس الأموال، وخاصّة على قطاعات البنوك
والاتصالات والمجمّعات التجارية الأجنبية، بهدف تمويل الخدمات الاجتماعية (مثال
التعويض عن البطالة)
· زيادة الاستثمار العمومي في قطاعات الصحّة والتعليم والنقل وغيرها
· إيجاد حلول عاجلة لقضايا التلوّث في قابس وصفاقس وغيرها
· اجراء تدقيق في مداخيل قطاع المحروقات وتخصيص جزء من أرباحه للجهات
المُهمّشة
· تشجيع انتاج الدولة للكهرباء من الطاقة الشمسية، واحتكارها لهذا
المجال
· سنّ قانون لتجريم كافّة أشكال التطبيع
7. البرنامج الاستراتيجي (ملامح سياسات ما بعد انتصار الثورة)
اقتصاديا واجتماعيا:
· تأميم قطاع الطاقة (المحروقات، الطاقات
المتجدّدة والخ)
· الغاء المديونية الخارجية
· ارجاع سيطرة الدولة على البنك المركزي
· بسط هيمنة الدولة على القطاع البنكي (تأميم
ما يمكن منه)، وفرض قيود صارمة على خروج رؤوس الأموال
· الغاء كلّ الاتفاقيات التجارية الماسّة بالسيادة
الوطنية واقتصاد البلاد، وعلى رأسها اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وما
تبعها من اتفاقيات مشابهة
· سياسات حمائية في الصناعة والفلاحة
· سنّ كلّ الإصلاحات التي تمّت المطالبة بها
ولم يُنجح في فرضها
· احتكار الدولة لتوريد المواد الأساسية
والتوقّف عن توريد الكماليات
· تركيز نوى صناعة وطنيّة متوجّهة أساسا
لحاجيات السوق الداخلية بدرجة أولى، والسوق الإقليمية بدرجة ثانية
· وضع سياسات فلاحية إيكولوجية تهدف لتحقيق
"السيادة الغذائية" والاكتفاء الذاتي للبلاد في المواد الأساسية
(الحبوب، الخضر، الحليب وأعلاف الحيوانات...) ضمن المعايير المحترمة للبيئة ولصحّة
البشر.
· تشجيع الفلاحة التعاونية، واستغلال الأراضي
الدولية (بعد استرجاع ما تمّ التفريط فيه للقطاع الخاص) كنواة لهذا المشروع.
· تركيز صناعة صيدلة وطنية، تحت اشراف وقيادة
الدولة، تستجيب لحاجيات البلاد وتلغي احتكار ومضاربات القطاع الخاصّ في هذا المجال
· انتهاج سياسة طاقية معتمدة على الطاقات
المتجدّدة وبسط سيطرة الدولة على هذا القطاع
· تأميم شركات الاتصالات الهاتفية وفرض سيطرة
الدولة على القطاع
سياسيا
داخليا:
· تأميم كافة وسائل الإعلام (السمعية
والبصرية) الخاصّة المرتبطة بقوى الثورة المضادّة، أو ذات الرأسمال الكبير أو ذات
التمويل الخارجي أو المشبوه، ووضع قانون جديد لتنظيم قطاع الإعلام
· صياغة دستور جديد ينصّ أساسا بوضوح على
علوية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطبقات الشعبية وعلى المساواة التامة بين
المواطنين وعلى حرّية المعتقد والتعبير وعلى السيادة الوطنية في مختلف المجالات.
وعرضه على الاستفتاء في أقرب الآجال.
· يجب أن يتضمّن دستور الثورة مبادئ النظام
السياسي الجديد، الذي يجب أن يضمن قدرة الطبقات الشعبية (أغلبية الشعب) على ممارسة
سلطتها فعليًا وعلى مراقبة ومحاسبة المسؤولين في كلّ المستويات (من المحلّي إلى
المركزي)، كما يضمن ضرب قوى الثورة المضادّة (البرجوازية الكمبرادورية وحلفائها)
ومنعها من التشكّل مجدّدا سياسيا.
· احترام مبدأ التداول السلمي على السلطة في
كنف الدستور الجديد. وهو ما يتطلب وضع قانون انتخابي يضمن تمثيل الأحزاب السياسية
المعبّرة عن الطبقات الشعبية ويقصي القوى المعبّرة عن البرجوازية الكمبرادورية
وحلفائها.
· وضع قانون جديد للإعلام، يضمن حرّية
التعبير ونقل المعلومة، لكن بعيدا عن هيمنة رؤوس الأموال. وهو ما يتطلب تشجيع
الإعلام التعاوني الذي يؤسّسه ويديره الصحفيون أنفسهم.
· وقف نشاط كلّ الجمعيات والمنظمات الأجنبية
بالبلاد، وكذلك الجمعيات التونسية المرتبطة بها، والمباشرة في تدقيق عملها
وارتباطاتها، تمهيدا لوضع قانون جديد لتنظيم "المجتمع المدني" يضع
معايير تحترم السيادة الوطنية والتخلّي عن التمويلات الأجنبية.
· إلى جانب ضرورة تعزيز الحريات السياسة
وتأمينها وحمايتها من تدخل رؤوس الأموال، سيكون من أهداف ثورتنا الأولى تعزيز
الحرّيات الفردية وتكريس علمنة الدولة وقيم المساواة بين الجنسين في التشريعات وفي
الدستور الجديد الذي يفترض أن يتمخّض عن الثورة.
إلّا أنّ مدى هذه الحرّيات الفردية سيكون مرتبطًا
ضرورة بميزان القوى إثر انتصار الثورة وتقييمنا لقدرة تقبّل الطبقات الشعبية (التي
يفترض أن تكون العمود الفقري لهذه الثورة) لها. ولهذا
قد
يتطلبّ تحقيق الأهداف الأساسية والضرورية من نوع المساواة التامة واحترام الحريات
الجندرية وغيرها مسارًا تدريجيا يبدأ فعليًا مع انتصار الثورة. أمّا قبل انتصارها
فسيتركّز عملنا في هذا المجال على التثقيف الشعبي البيداغوجي وعبر إعطاء المثال
والقدوة، لا عبر التحريض والدعاية البارزتين كما سيكون الشأن مع القضايا
الاقتصادية والوطنية.
خارجيا:
· وضع قانون لتجريم كافة أشكال التطبيع
· التذكير بالموقف الوطني الصحيح فيما يخصّ
القضية الفلسطينية: حقّ الشعب الفلسطيني في تحرير كامل أرضه وبناء دولة ديمقراطية
علمانية عليها، على أنقاض المشروع الصهيوني، وعودة كافة اللاجئين وتعويضهم
· بناء علاقات متينة مع بلدان الجنوب (لا
سيما المتفاعلة إيجابيا مع قضايانا في أمريكا اللاتينية وآسيا). والعمل على
استعادة العمق الإفريقي واسترجاع التحالف التاريخي بين المنطقة العربية وبلدان
جنوب الصحراء. والسعي لبناء قطب دولي جنوبي.
·
كسر التبعية للمراكز الغربية عبر تعزيز علاقاتنا
مع القوى الشرقية الصاعدة (روسيا والصين) والعمل على بناء علاقات جيدة قائمة على
الاحترام والندية مع القوى الإقليمية المتاخمة (تركيا وإيران)